مع دخولِ اتفاقِ "وقفِ إطلاقِ النار" حيِّزَ التنفيذ

فرحةٌ عارمةٌ تُسيطرُ على جُموعِ الغزيِّينَ وسطَ آمالٍ بالعودةِ للحياة

فرحةٌ عارمةٌ تُسيطرُ على جُموعِ الغزيِّينَ وسطَ آمالٍ بالعودةِ للحياة
تقارير وحوارات

غزة/ إيناس الزرد:

بعد لحظاتٍ طويلةٍ من الانتظار والترقُّب، وبعدما بقِيَ شبح الموت يلاحق سكّان قطاع غزة على مدار 470 يومًا، خلال حرب إبادة شنّتها "إسرائيل" بحقهم ومارست فيها أبشع أساليب القتل والتدمير، احتفل الغزيّون بدخول اتفاق "وقف إطلاق النار" حيِّز التنفيذ، صباح أمس الأحد، بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي بالتهليل والتكبير، حيث عمّت الفرحة قلوبَهم المكسورة، وصدحت حناجرهم بالحمد والثناء بعدما توقف شلّالُ الدم والتدمير والنزوح؛ ليكون ذلك بداية جديدة للسلام والطمأنينة وبصيصَ أملٍ وسط الظلام.

 

في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، التي ما زالت تعُجّ بخيام النازحين، يصف الشاب فادي شعوره بعدما وضعت الحرب أوزارها وتوقّف شلّال الدم قائلًا: "هناك خليط من المشاعر الممزوجة بالفرح بوقف الحرب تارة، والحزن على ما قاسيناه وفقدناه من الأهل والأصدقاء تارة أخرى، الحرب نالت منّا الكثير، لا سيّما أنني فقدت منزلي وتهجّرت عن مدينتي رفح".

 

يقول فادي لـ"الاستقلال": "من حقّنا جميعاً أن نفرح بوقف إطلاق النار، ونحاول أن نُخرِج أنفسنا من الحالة الصعبة التي كنّا نعيشها على مدار عام وخمسة أشهُر، والألم العميق الذي تركتْهُ مشاهدُ المجازر والأشلاء والقصف"، مبينًا أنه يتنظر بفارغ الصبر العودة إلى شرق مدينة رفح خلال الأيام المقبلة؛ ليُقيمَ خيمته فوق ركام منزله المدمَّر بجانب مَنْ تبقّى من أهله وأصدقائه بأمنٍ واستقرار.

 

وأضاف: "اتفاق وقف إطلاق النار جاء لـ"يُطبطِبَ" على قلوبنا المنهكَة، ولتكونَ بداية السكينة والأمان بعد كلّ ما عانيناه، ولينبثق أملٌ جديدٌ لا فقْدَ فيه ولا حزن، يتيح لنا أن نلملم جراحاتِنا ونستعيد حياتَنا الطبيعية بعدما عشنا أيامًا صعبة للغاية، ولتكون فرصة حقيقية لتحسين الظروف المعيشية وإعادة الإعمار".

فرحَةٌ كبيرة

أمّا أُمّ أحمد ( 45 عامًا) التي تقيم في أحد مراكز الإيواء، فقد عبّرت عن فرحتها العارمة بدخول اتفاق وقف إطلاق النار حيِّزَ التنفيذ، حيث هلّلت فرحًا واستقبلت الخبر بـ"الزغرودة" الفلسطينية" رَغمَ ما عانته خلال حربٍ سلبَتْ منها بيتها وزوجها وأبناءَها الأربعة، وتركتها وحيدة تُجابه صعوبة الأمر ومُرَّ الحياة،  مبينةً أنه رغم الغصّة التي تعتصر قلبها، إلّا أنّ وقف شلّال الدم وعدم ارتكاب الاحتلال مزيدًا من المجازر بحقّ المدنيّين العُزل كان أقصى أمانيها.

 

بدأت "أُمّ أحمد" فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار بالأمس تَعُدّ الأيام واحداً تلو الآخر؛ لتتمكّن من العودة إلى شمال قطاع غزة بعدما نزحت منه رُغمًا عنها، قائلةً لـ"الاستقلال": "أنتظر اليوم السابع من الاتفاق بفارغ الصبر؛ لأعود مشيًا على الأقدام إلى حيّ الزيتون، وأُقيم خيمتي فوق ركام منزلي المدمَّر، وأعيش حياتي دون خوفٍ وبعيدًا عن صوت أزيز الطائرات والفقْد والتدمير" .

 

وتُضيف: "صحيح أن الحرب انتهت، لكن ما زالت قلوبنا منهكَة ومُثقلَة بالهموم، فالأيام التي عشناها ومرَرنا بها لا تفيها كلّ كلمات اللغة؛ لتعبِّرَ عن قسوتها ومراراتها، الحرب فعلًا انتهت، لكن ستعود من جديد بيننا وبين أنفسنا وواقع الحياة الصعبة التي تنتظرنا، بعدما كنّا ننعم بحياةٍ متوفرٌ فيها كلّ المقومات اللازمة".

حياةٌ أفضل

أمّا الطفل مهدي (15 عامًا)، فقد عبّر عن أمله بأن يكون هذا الاتفاق بمثابة حياة أفضل له ولإخوته الصغار عند خروجِ والدِهِ من الأسْر بعدما اعتُقِلَ خلال العمليات البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي داخل قطاع غزة، ليستطيع من خلاله أن يحتضن والده بعد أشهُرٍ من العذاب، وتكتمل فرحته بوقف الحرب، ويبدأ حياة جديدة تنتهي فيها كلّ المخاوف والآلام.

 

وأوضح "مهدي" أنه رَغمَ الدمار والقتل والموت الذي كان يلاحقهم، إلّا أن فرحتهم بوقف الحرب كانت بمثابة ميلاد جديد لهم ولكلّ الغزيّين، فالبهجة عادت إلى وجوه الصغار والكبار، رُغمَ ما تعانيه القلوب من آلامٍ شديدة، كما عادت الأسواق لتنبض بالحياة بعدما انخفضت أسعار السلع الغذائية بشكل كبير مقارنةً بالسابق، بعدما سمح الاحتلال بإدخال مئات الشاحنات من المساعدات إلى القطاع المنكوب.

 

وأشار إلى أن الأيام التي يعيشها حالياً يشعر فيها بالسكينة، ويتمنّى خروجَ والدِهِ من الأسْر خلال الدفعة المقرَّر الإفراج عنها في تلك المرحلة، لينسى كلّ ما قاساه وعائلته، وينعم بحياة أفضل بعدما حُرِمَ العيش في كنف أسرته وبيته، مبينًا أن الاتفاق الحالي بعث في قلوبهم بصيصَ أملٍ وسط كلِّ المآسي؛ لينهضوا من جديد ويعيشوا حياتهم بعيدًا عن صُوَر القتل والتدمير.

 

دخل اتفاق "وقف إطلاق النار" بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي حيِّز التنفيذ، صباح أمس الأحد، 19 يناير 2025، في تمام الساعة 8:30 صباحًا وسط خروقات إسرائيلية أسفرت عن ارتقاء عددٍ من الشهداء والجرحى، ويأتي هذا الاتفاق بعد 15 شهرًا من حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتي أسفرَت عن استشهاد عشرات الآلاف وتدمير واسع للبُنية التحتية.

وتتضمّن المرحلة الأولى من الاتفاق التي تستمر لمدة 42 يومًا، إطلاقَ سراح 33 أسير/ة إسرائيليّ/ـة محتجزون في غزة، مقابل إفراج "إسرائيل" عن 1,800 أسيرٍ فلسطينيّ، كما تشمل هذه المرحلة انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من القطاع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وفتح المستشفيات عبر معبر رفح الحدوديّ مع مصر.

التعليقات : 0

إضافة تعليق